أحلام الفيديو: مجموعة قصصية

1٬501

“اقتربنا بتردد صوب جدار القضبان الفاصل بيننا وبين المعسكر. كان لون السماء النحاسي قد اختفى، وحل محله بياض منطفئ، موشح باللون الرمادي. وفي طرف الكون الأبعد، خفَّت العتمة قليلاً، موشية بقرب انبلاج الفجر. كم بدا لنا المشهد شبيها بشريط سينمائي، يدور حول كوكب منبوذ مغلف بطبقات هائلة من الغيم.

ها نحن، وللمرة الأولى في حياتنا، نشاهد ثلجا: ثلجا على هيئة صفائح شاقولية وأفقية، منتشرة في كل مكان. وما سمح لنا بالتملي في الرؤية، توقف الريح عن الحركة، وكأنها هي الأخرى قد جمدت، وتحولت إلى جليد لا مرئي. كانت أطراف شجرة التوت ساكنة بجلال، مغروزة في أحشاء الفضاء المتكلسة، تنطلق منها في الفينة والأخرى بضعة غربان، فتحلق قليلا حول الشجرة، ثم تستقر فوقها بعد أن تنفض عنها نثار الصقيع.”

من  قصة “الحارس الجليدي”

 

(في القصة التي تحمل اسم المجموعة «أحلام الفيديو» ينهال الماضي على رأس حسين دفعة واحدة مثل جبل من التراب. من أجل إلقاء خطبة في حفلٍ مع أصدقائه من بني بلده يصعب على الكلام الإفلات من بين شفتيه لأنه نسي الكلمات كلها، الانكليزية والعربية، ويفزع حسين من مشهد هؤلاء القوم المتأوروبين المتجمعين في صالة الحفل، قومه، كيف استحالوا أكثر إفرنجة من الإنكليز، وتنقذه من هذا الموقف أغنية عراقية ريفية، ينطلق بها «بدون كابح، يصفّق بيديه، ويضرب الأرض برجليه». يظلّ يتمايل ويطقّ أصابعه على النغم، وكأن القاص يمزّق هنا الصورة السحرية التي مرّ ذكرها قبل قليل، لأنها في الحقيقة بلا صورة! كما أننا نستطيع أن نعدّ القدرة على بثّ السخرية المرّة في القصة إحدى ملامح فن لؤي عبد الإله القصصي، دون الهبوط في قيمة الإنسان والخوض في أوحال الابتذال. السخرية هي أعلى مراحل القطيعة مع اللا مبالاة، ولا بدّ لكتابة قصة ساخرة من أن يتجول الكاتب في جوانب الحياة كي يستطيع في الأخير تقديم منحوتة يكتنف بناؤها الغموض والوضوح معاً، الجِدّ والهزل معاً، الحياة والموت…)

حيدر المحسن (صحيفة المدى) 

 لوحة الغلاف وتصميمه: الفنان هاني مظهر 

اقرأ ايضاً