كوميديا البندول السردي

1٬580

صحيفة المدى (ملف أوراق) في 12 تموز 2015

كوميديا البندول السردي

قراءة في رواية “كوميديا الحب الالهي”

 

                                                            اسماعيل ابراهيم عبد

لعلها من أهم الروايات العراقية التي استلهمت تراث ابن عربي ووثبات فكره  باستقدامها إياه من فترة تقل قليلاً عن ألف سنة .. لم تجهد القارئ بالفكر بقدر إمتاعه به . لم تتعدَّ اشتراطات السرد بقدر استثمارها لعناصره .. إنها لعبت بالتأريخ الحديث لعباً يتصل بمجاهيل السياسة والمجتمع التي تنحدر نحو دهاليز مفتوحة على الفواجع والمصائر المهلكة، مجهولة النهاية، هي الأُخرى .

أولاً : في فهم البندلة 

نؤكد في بدء المتابعة على أن التبادل الإرجوحي بين قوى السرد والعالم الإجتماعي هو ما وجهنا للدنو من منحى الأرجحة، إذ أن هذا التبادل بائن في جميع النقلات الروائية على المستوى الصياغي للجملة والمشهد، وعلى مستوى اتجاهية الفكر للمهيمنات اللغوية للروي .

ثانياً : المكان بندول أولي للسرد

لنستعن بموجه نظري لفهم الجانب المادي المكاني للرواية، لنتابع/

” يعمل المكان في مقصوراته التي لا حصر لها على إحتواء الزمان مكثّفاً، وتلك هي وظيفته كما يتصورها باشلار، لتبدو العلاقة بين المكان والزمان علاقة آلة القول بالقول نفسه، علاقة قوس الحكمة بالحكمة العارية، علاقة الوتر بالنغم .

المكان هو الآلة والقوس هو الوتر، والزمان هو القول والحكمة والنغم ” ([2])  ..

في موضع لاحق يُشار الى / ” يختفي المكان وتختفي معه الناس والعلاقات، الملامح والروائح والأصوات والحكايات، إن أصعب ما في اختفاء أماكننا هو اختفاؤنا معها “([3]) وفق مبدأي الاحتواء والاختفاء سنتدرج في فهم بعض سياقات الروي لرواية “كوميديا الحب الإلهي” للكاتب لؤي عبد الإله .

المكان، ولنقل العلائق المكانية، تنتمي الى محتوى إطاري مادي ومحتوى غير مادي، المكانية هي المعين الحاوي للقيمة، أي المكان والعلاقات وسياق الزمان الموجه للحركة. هذه منظومة تتحرك من خلالها مفردات العناصر المصيغة للروي .. فالمحتوى العام للمكانية في الرواية يتآلف تقنياً وبصورة شبه بديهية مع رؤى الكاتب لإمثولة الاحتواء .. وبما أن الاحتواء يحدده باشلار بشروط، وهي حتما ليست سردية تماما لذا سنتجه ببعض توضيحنا الى جهته ونخالف ما يقتضي المشهد الروائي من مضافات .. يرى باشلار بأن المكانية محتوى من /

((مقصورات لاعدّ لها + وجود زمن مكثف + العلاقة كنظام صلة الآلة “المكان” بالقول “الزمان ” )) ..

تتفرع من ذلك علائق جديدة، أهمها /” الآلة والنغم “.

الرواية تحتوي على مقصورات (محددات مادية، حاجزة فاصلة) لا يمكن إحصاؤها، لكن يمكن تشخصيها وصفياً فهي (مدن، محطات، ساحات، أسواق، حدائق، بيوت، شوارع، مقاهي)، ومحددات أخرى داخل تلك الأماكن، وهكذا، فهي تتعدى المئات والألوف،  بمعنى أن الرواية جردت الأماكن من تعددها الى حصرها، وهذا أول مبدأ تكسره الرواية لفرضية باشلار، حيث خصصت هوامش التعدد المكاني لصالح الأماكن غير الرئيسية الفاعلة في الرواية كالمحطات والمقاهي والشوارع . بينما التحديد الاحتوائي الأساسي صار صغيراً جداً لا يتعدى بغداد، لندن، بيت عبدل ومسكن شهرزاد، شقة صالح، شقة حياة …الخ .. ، كذلك تتواجد فروع أكثر صغراّ تمثل الإنتماء الحميمي لمكانين فقط ساحة ريجنت بارك، الكرخ .

اما الزمن المكثف فهو بالنسبة لباشلار زمن يحتوي وقائع كثيرة وكبيرة، وربما قصدها أحداثاً كبرى غيّرت العالم .. بينما الرواية قد كثفت الزمن على الفعل بمستوييه، السياقي (الجوهر الجملي للكتابة) والحركي( الاجتماعي) باعتماد قيمة الروي للتأريخ التحولي من سياسي الى اجتماعي الى اقتصادي الى نفسي الى روائي. ولن نجد التوافق المناسب في مكانية الاحتواء بين الرؤية الروائية للكاتب والرؤية الفلسفية لباشلار إلّا في العلاقة الاحتوائية بين القول وآلته التي تؤلف النغم المرئي والمسموع، فالرواية خطاب لها لغة مخصوصة منفعلة ومتفاعله مع القضية الإنسانية المقروءة، بعواملها المبينة في محتويات وعناوين وفكر الرواية، أي أن الآلة ” الرواية المكتوبة ـ كمكان سردي ” تنتج النغم، أي الأثر القولي، وهذه الحقيقة اكتُسب صدقها من تأريخ الفن الروائي .. الهدف الروائي أوصل القناعة الفنية الى مرحلة  التوازي مع القناعة الإجتماعية.   وبالتأكيد فإن هذا يتوقف على مؤهلات الكاتب الإنتاجية ،التي تنتج القيمة القرائية .

للبندول المكاني متجه  آخر هو الاختفاء .. الاختفاء القسري، يحدث بتخطيط وتدبير سلطة الدولة .. والاختفاء الطوعي، بسبب السفر استجابة لمتطلبات إقتصادية واجتماعية، خارج توجهات الدولة ..

هذه الاختفاءات هي تبدلات نمطية لكن لها في الرواية مساسات أخرى تبدو، على الدوام، مقصودة، سيئة أحياناً  ..

إن التبدل المكاني الحضاري يعني التغير من الطفولة الى الشباب، ثم الى الكهولة والموت .. هذا ما يجري في الرواية أيضاً على الرغم من الاختلاف الأزلي بين الواقعي والمتصور .

في التنصيص المتقدم الخاص بالاختفاء يشار الى اختفاء من نوع آخر ذلك هو اختفاء الأفراد وغيبتهم كناتج عرضي عن اختفاء المكان .. وفي الرواية يكون ذلك بإرادات سياسية ضاغطة وطاردة ،كالمؤسسة السلطوية ،بدءا بعام1965 وحتى عام التغيرات الأخيرة في العراق قبل 1988،هذه الإرادات جميعها طاردة وضاغطة حد الإلغاء بالموت للمعارضين والمؤيدين للسلطة ..

الاختفاء الآخر عن طريق الحروب التي تفتعلها الأنظمة المتحكمة في العراق مع دول الجوار .. يقابل ذلك اختفاء من نوع أشد هو الإنزواء في أماكن الظلمة ،وهو مهيمن أساسي ،من أمثلة ذلك ،انزواء الطفل سليم، وبيداء، وحياة، بيداء وصالح، ومن ثم الأطفال في غرفهم، والنساء في المطابخ، والرجال في ذواتهم ..

ثم اختفاءات أُخرى بالنفي، مثل أعوان المبدع واعضاء المقاومة السياسية .                      يتفرع عن هذه الاختفاءات اختفاء خاص بالأصوات والروائح والحكايات ..    إنه نمط مبهم ومثير للامتوقع، ولأجل التوضيح سنهتدي بالمنصص الآتي /

[ كعادته في مناسبات كهذه كان يبذل قصارى جهوده للتعويض عن بساطة سكنه مقارنة بمسكنها الراقي، بشراء أفضل أنواع الشمبانيا والتعويض عن مصابيح الإضاءة بشموع معطرة بعطور الحبق والياسمين والجوري، كان ينشرها في كل زاوية من غرف شقته . ولا تبقى هناك أصوات في البيت عدا ضربات البيانو لسوناتات ساتي الهادئة، تتسرب إليهما من غرفة الجلوس كأنها، خفقات متباعدة لماء متدفق من نافورة وهمية ] ([4])

يغطي المقطع المتقدم الشكل المتمم للقيمة السردية شبيهة الحركة البندولية للسرد، إذ تغيب الأصوات والروائح والحكايات من الناحية الشكلية والمظهرية، لكن العكس يتمثل في بنية المضمر من الشيفرات.. الأصوات التي يغيبها المقطع هي (الأصوات المهرجانية شبة المهرجة، أصوات الكؤوس المعدة لأقداح الشمبانيا، أصوات التناغي الجنسي والعاطفي بين المتحابين، الأصوات البالغة مئات الأنواع خارج الشقة) .

ما الذي يتبقى من الأصوات ؟

إنه، فقط، موسيقى سوناتات ساتي، وهي هادئة كأنها غائبة وحضورها ذهني جيء به ليكسر سكونية الأصوات السابقة، ويوحي بها ..

غياب العطور يتمثل في وجود روائح فقط، لم تتصنع فتفقد هيلولها الفطري، فهي لروائح الحبق والياسمين والجوري، هي روائح فطرية لها دلالة تأريخها الإنساني وليس لها حضور واقعي ..

كذلك الحكايا فهي غائبة لكونها لم تشكل مظهراً، إنما تبث القص بالتأشير الإيمائي، القص هنا وصفي، له دلالة الأحداث .. لننتقي مثالاً واحداً لأجل التوضيح /

التعويض عن مصابيح الإضاءة بشموع معطرة، تقع وراء هذا الوصف الحركي عدة أحداث منها /

ـ إنه يعاني من مشكلة قديمة جديدة كاليُتم أو غيره رسمت لحياته حالة إحساس بالفقر .

ـ حدثت له  علاقات نسوية عاطفية سابقة عودته على خلق أجواء رومانسية كالتي وردت في المشهد المنصص .

ـ قد يكون الحدث هو التعويض عن حادثة حدثت في طفولته جعلته يكره الظلام فيعوض عنه بالشموع كتصرف أكثر حميمية من الإضاءة الصناعية للمصابيح، الى آخر ما يمكن تقديره من حوادث ملحقة بالمضامر الحدثية لما وراء النص أعلاه …

ثالثاً : الإنفتاح النسقي للشخوص في الفضاء المكاني

للشخوص في الرواية مكانة متوازنة من وجوه كثيرة منها الظروف العامة للبلد الطارد، والظروف الخاصة للبلد المضيف، وازمات التربية البيتية، إضافة الى التراكيب المنمذجة من قبل الروائي ..

سنركز على بيئية الشخوص، للشخوص الأبرز في ساحة السرد، ولا نعني بذلك التجاوز على مبدأ التوازن، إنما لإبراز القيمة المكانية التي تتغير مثل بندول، بين شخص وآخر، وعلاقة هذا بالنوع المكاني الحاوي للأفعال ..  قبل هذا لنثبت مقولة لنيكولاس تومان ،عن فهمه للأنساق المفتوحة .. ” الإنفتاح يعني التبادل مع البيئة في كل الأحوال . لكن هذا التصور عن التبادل يتخذ أشكالاً مختلفة تبعاً للأنساق التي يتم تناولها، أكانت بايلوجية، أو أنساق عضوية أو أنساق توجه مغزوي، أي أنساق إجتماعية (أنساق التواصل) وأنساق نفسية (الوعي وما الى ذلك) … الأنساق البايلوجية للتزود بالطاقة والتخلص من الطاقة عديمة الجدوى … إنساق المغزى تستمد المعلومات من المحيط  … الوعي مركب من أنساق أُخرى ” ([5]) في هذا المنحنى سنضع لكل شخصية مدروسة مؤصلات فعل تتعلق بالتواصل النسقي بين المكان وصفاتها النفسية والموضوعية شكلاً وسلوكاً …

عبدل : نسقه البايلوجي يتماشى مع المؤهلات البيئية التربوية والنفسية في بغداد ولندن . يضع حاجته الى الجماع شبه الوحشي فوق الإعتبار الخلقي في حال تفريغ طاقته الجسدية ،ويهمل الفائض عن ذلك بتصريفه بجمع الأموال، يتخلص من الطاقة عديمة الجدوى بالتمرد، فهو متمرد على التربية النمطية، عملي، فعّال، غير مميز من حيث الشكل الخلقي والجسماني .. عابث بالكثير من القيم . محب للمال . محترس حد الظلم الكامل لأهل بيته ووطنه، الزوجة والأطفال والعائلة التي أنجبته ..  نموذجه نموذج بلداء ” الإخوة كامازوف ” . هو كأنه بلا عواطف ..

نسقه البايلوجي النهائي يتمثل في الإتجاه العالمي للرأسمالية .

نسقه الإجتماعي كما توضح أعلاه ،كائن بشري دون قيم إجتماعية ..

وعيه يتحدد بما لديه من قدرة على جمع المال بالعمل المثمر دون التفكير بمشروعية أوعدم مشروعية الإستثمار الرأسمالي لمملوكاته .

بيداء : بايلوجياً هي كائن جميل، إنثوي رخو، ممتع جنسياً ،مطيعة بسبب إحساس بالدونية دائماً ،تصرف طاقتها الفائضة في زيادة إهتمامها الجنسي بزوجها وعطف كبير على أولادها .

اجتماعيا، منزوية، صامتة، قليلة الإختلاط  إمومية بالفطرة والتنشئة .

الوعي، لديها يزداد ويتقلص بحسب عوامل المحيط الخارجي، ويُرى أنها أكثر الشخصيات صناعة، كأنها كائن بشري بقدر كونها كائنا ورقياً، لكن التغيرات العديدة التي يضعها الكاتب لها جعلنا نتفاعل معها ولا نراها مفتعلة برغم إحساسنا أنها مصوغ ورقي .

صالح : بايلوجياً يمثل جسدا رجولياً ضخماً من النوع الذي تفضله النساء في الجماع .. وهو ذاته، لا يحسب لنفسه هذه الأسطرة إلّا من خلال شهرزاد وبيداء وروايته ” المبدع ” يسرب فائض طاقته بالقراءة وجمع المعلومات لكتابة مقالات ملفتة للنظر .

إجتماعيا، يحب العلاقات الخاصة، يحاول إثبات كفاءته بالتواصل الإجتماعي من خلال الكتابة وأصدقائه المحدودين، مع رغبة شديدة في العزلة من أجل الكتابة، دون الإهتمام الكبير بنوعية وظرف المكان .

الوعي يتشكل على وفق تجربة الكتابة والحب الجسدي والحياء الفطري، والى حد ما إحساس بالدونية .

شهرزاد : بايلوجياً تحب الجماع مع أصدقائها، تعتقد أن لجسدها قوة تأثير على الرجال، لكن تقدمها بالسن يحجب بعض طاقتها فتصرفها في رعاية المرضى .                            اجتماعياً، طبيبة، متمردة، محبوبة، لهاعلاقات متعددة، موسرة من الناحية الاقتصادية مما يرفع مكانتها الإجتماعية، دون التباهي بالعائلة أو الماضي . لها طفلة من زوجها الانكليزي . تمثل النسق النموذجي للطبقة المتوسطة للمستوطنين في بريطانيا . الوعي لديها يتشكل عبر ظروفها الآنية كطبيبة وحبيبة وأم، فنسقها هو الانفتاح الاجتماعي الغربي الحديث، لكن الانكسار النفسي الأخير يصوغ لها  نسقاً لذات مزاجية متقلبة، شديد الكره لمن لا يسايرها، كأنها مصابة بالنرجسية غير العالية .

الزعيم والمبدع وأعوانهم : بايلوجياً هم شخوص أصحاء، قويو الأجساد والشكيمة، محبون لإفتراس الأعداء، أي من يكونوا. محبون للجنس، ولتعذيب المنافسين، نسقهم يتضمن التفريغ لطاقة الإنتقام، والفائض يتصرف بالجنس والأمومة .

نسق التشكل الإجتماعي لهم  يتخذ من السلطة طموحاً أولاً وأخيراً، وعنه تفيض جموع الفروع للعمل والعلاقات .

الوعي هو وعي نفعي لا يتجاوز حدود المصالح والعمل على تطوير إمكانيات التحكم السياسي …

الملاحظ على جميع الشخوص /

1ـ الهدوء والتصرف القريب من الهدف المرسوم سلفاً في ما يخص السلوك اليومي.

2ـ التقيد بالدور النمطي للتنشأة والوظيفة.

3ـ التأزم غير الصارخ الذي يتيح المجال للشخصية أن تعبّر وتعبُر أزمتها بذات الهدوء الكيس العام للسلوك الإعتيادي.

4ـ وضوح كبير ومهم للشكل المظهري والنفسي والسلوكي، والذي يخدم الثيمة والحركة الروائية بفيض من المتعة والجمال.

5ـ التضامن الكبير بين السلوك والمكان والفضاءات الملحقه به عمقاً، محوراً، تقانة .

رابعاً : المكان الروائي تناص مع القوى التاريخية

لقد نهل الروائي من قوى التأريخ تلك الأقوال والأحداث ذات الأهمية الخاصة، المتوغلة في ضمير الشعب وعلائقه التأريخية … ولتحقيق هذا إستقدم الروائي مناول عدة منها /

1ـ تماثل الفلسفات : لقد جُعلت مفاهيم وأُسس فلسفة إبن عربي ندا مقابلاً للفلسفات الحديثة بتجريداتها الإعتزالية، وصور فهمها لما بعد الحياة والموت، ولما يتوجب على الفعل الإنساني أن يكونه آنياً وأزلياً .. ثم أردف ذلك بتماثل آخر مع التقانات العلمية وتجلياتها .. ليلحق بها أخيراً مصائر أبطال الرواية في الصفحتين الأخيرتن من الرواية . وكأنما ليريد أن يضع الأفكار كلها بتركيبة عجيبة توحد الشخصي بالمطلق، مثلما فعل إبن سبعين في تصوره عن مطلق وجود الفرد بالذات الإلهية. يعمل على التناص الحدثي، التأريخي والروائي، بمعامل الحدث السياسي للعراق في الخمسين سنة الأخيرة، بمنطق فلسفي مختلط الأفكار، من الأحدث والأقدم .

2ـ توليف الروي : للروائي نظام تصوري مخطط له في تنمية السرد على شكل إرتدادات محسوبة .. لقد تواصل الروي وفق خارطة التناوب من جهتين الأحداث ومن يروي الأحداث فعنوان “أزرار ملونة” يغطي العرض من ص 11 إلى ص 30، ليعود في ص69 وينتهي في ص93 .. ولن يتبقى شيء مهم يتعلق بطفولة عبدل .. تبدأ شخصية شهرزاد بالمثول القوي بدءاً من ص31،ولن تنتهي مطلقاً حتى بعد إنتهاء الرواية ،وكأنها الحرية التي يتطلبها العصر .. وشهرزاد التي تغطي أفعالها مساحة ممتدة الى ما لا نهاية، لا تحظى بعنوان، ولعل اللغز في ذلك كونها البدهية الأزلية للبشرية في التوق الى الحرية، والتي صارت الهم الأكبر للمجتمع العالمي ففقدت تسميتها بكثرة الإستهلاك غير المثمر لها كلفظة تم تمويهها حد الضياع وفقدان العنوان الحقيقي والإتجاه الحقيقي والمكان الحقيقي، لها .. من تواليف الروي كذلك هذا الولع ببيداء، الصحراء، الجفاف، الإرتواء المتعطش، الاستكانة، الحنان المؤسي، التذبذب الوجداني والحياتي والتربوي. لقد أُعطي لها ثلاثة عناوين، الوحيدة التي لها ثلاثة عناوين ( على 137وعلى ص191، وعلى ص233 ..) .. وسر ذلك أنها سر الخلق لخالق مصير العراق، الذي يتلقى كل أنواع الطعون، وحين يحاول الخروج عن أبوية الحاكمين يضعونه بمتاهة لا نهاية لها . إذاّ السر هو تأكيد الإنتماء للعراق، والمكانة العنونية هي رمز وإشارة ومفارقة تستجلب أكثر من تأويل وإنحياز ،أحياناً .. الأسماء الالهية كتوليف سردي تبوأت عنوانين، لكنها في الحقيقة شملت أركان الرواية جميعاً كخلفية ديكور أو سنوغرافا درامية.

الملاحظة التي نود توكيدها هي : المكانية بزمنيتها الإرتدادية أَهَّلَتْ الروي جميعه ليخدم قضية التوافق المنطقي والتأريخي  للمنطق والتبرير الحجاجي للروي، كأن  محتويات الرواية كلها مرحلة واحدة تتغير مسمياتها لا مضامينها ..

3ـ الاختلال في العلائق الإجتماعية : إنها من الكثرة بحيث تغطي ما قيمته تساوي قيمة التخصص المثيولوجي ….

الخلل الأول : تربية عبدل وخلل علاقته بجوانا .

الخلل الثاني : تفاوت مس013توى الفهم لعائلة بيداء .

الخلل الثالث : استكانة بيداء وسلبيتها .

الخلل الرابع : زواج عبدل ،ثم خلل العلاقة بين شهرزاد وصالح، وصالح مع بيداء، وبيداء مع شهرزاد، وعبدل وبيداء مع الطفل المعوق سليم .

الخلل الخامس : هو الخلل السياسي الذي ظهر مميتاً في المشانق التي تلت 17 تموز عام 1969. وغير هذا كثير ..

الخلل السادس : تلك الإختلالات تقابلها إختلالات تأريخية عاصفة خاصة الأعوام  1958،1969، 1972 ,1979 ،1981 ,1983 الخ … الرواية وضعت تأريخا جديدا يسجله صالح بدفتر ملاحظاته الخاصة بروايته ” المبدع ” ولكي تعطي تراجيديا بغداد ولندن هيأتها المادية، يتم تمزيق رواية المبدع مثلما يتمزق تأريخ أي بلد بالتجهيل المتعمد .. ومع أن رواية المبدع عن السلطات القسرية غير المبدعة، فأن الأوراق الممزقة يتم جمعها ويعاد لها الوضوح للفصل الأخير، مما يشكل تناصاً خاصاً جداً مع الأمل في قيام حضارة خلاقة في العراق تنهض من بين مزق الأحداث، ومزق الخيانات.

4ـ الفئوية : الفئوية متجه مهم يتحرك عبر آلية التناص بالمفارقة، فصلاح الدين الأيوبي الذي يحرر القدس من الصلبيين ،يعيدها أخوه الى الصليبيين . وإبن صلاح الدين أمير دمشق يحابهه ويتحداه، وابن عربي يلهو عن ذلك بالأسئلة … تكون النتيجة سيطرة أخو صلاح الدين على دمشق وينقذ أهلها من المرض والفقر ويعفو عمن حاربوه .. لكأن الروائي يريد القول (ليس كل إحتلال مضر، إنما هناك طريق يمكن أن تسلك، تلك هي التعاون وتبادل المعرفة، والتطور بمساعدة القوى المحتلة).. وهي فكرة ليبرالية حديثة أخذت تتوسع على المستوى الشعبي والأكاديمي، مع أن الأدب العراقي ما يزال يرفض هذا التوجه .

خامسا : الحب الإلهي والكوميديا

يأخذ هذا بانتاجية المستويات  الآتية ..

1ـ المستوى التراثي : تأخذ الكوميديا الربانية بفعل القدرية الساخرة، عند محيي الدين بن عربي ،فالعالم الذي يغلي والأحداث العاصفة لاتهم إبن عربي إنما هي فرصة ليتوحد مع ذاته بسؤالين هما ،هل الحيوانات ستحاسب يوم القيامة ؟ والسؤال الثاني : هل هناك مكان في الجنة مخصص للأطفال والمجانين ؟

يتضح من بطانة السؤالين مقدار السخرية وتراجيديتها في وضع الكون والرب بإزاء مثل هذه الأسئلة، كأنما ليست ثمة من فعل آخر للرب والبشر سوى أن يجيبوا على هذين السؤالين !

[مضى عليه أكثر من إسبوع وهو ينتظر إجابة عن سؤاله العصي، هل هناك بعث للحيوانات في الحياة الأُخرى ؟]([6])

[ ها هو يشاهد رسول الله … يحضر إليه وهو نصف نائم . دون أن ينطق “محيي الدين” بكلمة أجابه الآخر عن سؤاله ….  لكن ندماً تغلغل الى أنفاسه : لِمَ لَمْ  يسأله عن أولئك الأطفال القتلى : هل يُعتبرون ممكنات منحت الى الوجود ثم تم سحبه منها قبل أن تنضج عقولها وتتبلور شخصياتها ؟ هل ستكون هناك جنة خاصة بهم وأُخرى خاصة بالمجانين]([7]) .

2ـ المستوى الصوفي : يُبعث هذا المستوى عَبْرَ الفلسفة العربية الصوفية بعد تحوير الأقوال قليلاً لتغدو مناسبة لإسلوب الفهم الجديد .. تتمثل الكوميديا بأقوال مبهمة وغير معقولة مثلما في المقتطع الآتي /

[ كيف يستطيع تفسير الحماية التي تتوفر لبعض الناس والدمار الذي يلحق غيرهم من دون أن يؤثر أحدهما على الآخر : إنهما الإسمان الإلهيان : المميت والمحيي اللذان يتنافسان فيما بينهما على فرض سلطتهما في أزقة القاهرة وأحيائها ] ([8])

المبهم هو كيفية أن تكون الأسماء الإلهية مسببة للدمار والحياة، إذ أن الأسماء الالهية تدل على النِعَم والخير، وليس غير ذلك، والبشر يصنعون جحيمهم، أليس هذا الفهم منطقاً تهكمياً للوقائع الحقيقية ،التأريخية والإجتماعية ؟

غير المعقول أن توصف الذوات الربانية بالمتنافسة وكأنها موجودات بشرية تتصارع على سلطة الحكم .

ومن غير المعقول أيضا أن يتساءل فقيه وعالم ومتصوف عن تفسير أسباب الحماية للبعض والخراب للبعض الآخر … ألّا يدخل هذا كله الى النص من باب الكوميديا الصوفية ؟

3ـ المستوى اللغوي : هذا المتجه يستثمر قوى الكلمة والمفردة ثم الجملة المصاغة بأن يحيط جو المعنى بنوع من السخرية تتضامن مع الوسائط السابقة المؤهلة لتواجد الكوميديا.

[ تخيل اللغوي إبن القارح، وهو يتأمل حال أبيه آدم ،الذاكرة وعاء ضخماً مملوءاً بالكلمات … ما الذي سيحدث لها لو تلبست عناصرها الأولية لغة أُخرى؟ هل ستختفي تماماً أم تصبح ذبذبات صوتية تغافلنا عبر الأحلام لتذكرنا بكينونيتها الجديدة ] ([9]) . تنتمي الكوميديا هنا الى فرائض بوجود أسئلة غريبة، وفرائض خاصة بتجزئة الجزيئات.  فاللغة هي لغة أبينا آدم، أي اللغة التي لا أصل لها، وفوق هذا أنها في ذاكرة ضخمة للكلمات ،وهذه الكلمات ستغادر آدم الى لغات أُخرى .. فاللغة التي ليس لها أصل تنساق لبناء لغة جديدة غير موجودة، تُرى اليس الإمعان بتجريد التجريد هو سخرية وغرائبية توجهنا الى الإمتاع فنياً بجدلها ! وهي كذلك مستوى لم يتعدَّ اللفظ والكلمة ! بل يراها، ذبذبات تأتي من الحلم لتصيغ المعاني التي تبتكر كينونيتها .. لعل هذا يحيلنا الى سخرية قوامها الوجد الصوفي العدمي ..

4ـ المستوى النفسي : يبرز الروائي هذا المستوى بدربة صوغ مجدد للمناول النفسية وإجراءاتها . لقد تابع الروائي تحولات الروي والشخوص والتدوين عبر حكائية تتنبه لأصغر صغائر النفس البشرية، تلك هي الإثارة والإستجابة، دون أن نحس بالخيط النظري (العلمي والروائي) الذي يشد الرواية وينمي تواصلها بجانبيه، التداولي والغرضي. ومهم هذا هو الإنعكاس النفسي الملازم للتحول المكاني أنه أوجد منظومة نفسية مكانية يحيل مظهرها الى سخرية مباشرة ويحيل جوهرها الى سخرية جارحة ناقدة ..

[ حضرت الى ذاكرتها تلك الإستغاثات  الخافتة التي كانت تطلقها ” شهرزاد ” تحت وطأة عمل الحب مع “صالح ” وحينما صافحها الزائر الخجول شعرت بعرق بشرته كأنه رغوة لزجة … حتى تلك الجلسة القصيرة التي جمعتها بصالح، لم تستطع ” بيداء ” أن تقاوم ذلك الدافع الذي كان يحفزها للنهوض من كرسيها، والتوجه الى الحمام، مبررة غيابها عنهم بذرائع شتى … لكن الاغتسال كان يتجاوز هذه المرة حدود اليد، ليشمل إلقاء نظرة على الوجه أو تثبيت خصلة شعر في موقعها أو تمرر راحتي يدها فوق صدرها . مع ذلك ظلت تتجنب نظراته التي كانت تتسلل إليها من وقت لآخر ] ([10])

مضامين الإثارة / يهيّء النص أجواء تخص الإثارة من جانبها النفسي السلوكي عن طريق رصد الحالات المتغيرة للسلوك والتفكير، يمكن حصرها بالآتي :

* الإستغاثات الخافتة تمتثل العبارة لحوافز(لمثيرات) أفعال عديدة لبيداء منها :ــ                        التعطش لفعل الحب، الرغبة في الحصول على الحنان، الغيرة، التوق للاندماج بالعالم الحسي الذي يضطهد بيداء.. وغير ذلك …

* حين صافحها الزائر الخجول شعرت بعرق  

تغطي جزئيات متداخلة لمصادر المثيرات المتنوعة، منها (الإثارة الجسدية بسبب التلامس، التعاطف بسبب الخجل، الإندماج بالعوز الذاتي للرجولة، الإعجاب المسبق والثقة التامة بالزائر كونه خلوق ومهذب .)

* لم تستطع بيداء أن تقاوم الدافع الذي يحفزها للنهوض     

يتضمن الدافع النفسي لبيداء مثيرات متوقعة متنوعة مثل ( سلبية الشعور بالمقاومة، التحفز للقيام بفعل يناسب الإنفعالات الداخلية، إيجابية التلبس بدور الراعية للضيوف، إيجابية خلط محتوى عاطفة الامومة مع محتوى البحث عن حل آني يصرفها عن إثم متوقع) .

* بيداء تتجنب نظرات صالح .

تتحمل العبارة أن تؤشر المثيرات الآتي :  التحفز للهرب من تأثير النظرات على عواطفها وحسها المرهف، ابتعاد بيداء عن خطر مجهول تتحسبه قادما لا محالة، تجنب الإثارة الجسدية التي يحفز إليها فعل النظر، الشعور بالراحة والفرح بما يعني أن التجنب هو محولة شعورية مقصودة لخزن الإحساس الجميل لديها بعيدا عن المحيط شبه العدائي. لقد قابلت بيداء تلك المثيرات بنتائج سلوكية (إستجابات) موازية منها /

ـ المثير، خفوت إستغاثة فعل الحب / قابلته بيداء بإستجابة / الميل الى أن تكون بديلة لشهرزاد .

ـ المثير، المصافحة والتعرق / قابلته بيداء باستجابة / اللمس باليد والإنتشاء .                                  ـ المثير، عدم المقاومة / قابلته بيداء باستجابة / النهوض من الكرسي والدخول الى الحمام  ربما لأجل الاستمناء .

ـ المثير، تجنب النظر / قابلته بيداء باستجابة / الاحساس بالعرق مثل لزوجة نتائج لذة الجماع .

ـ المثير، تجنب النظر / قابلته بيداء بإستجابة / الإحساس بأهمية انوثتها بلمس الصدر وتعديل الهندام .

لعل هذه الأفكار لا تبتعد كثيرا عن المنطلقات النظرية لنظريات فرويد في الشخصية، ولكننا أضفنا لها خلطاً يقترب من فرائض واطسون الأمريكي، ثم عاشقنا السلوك الذاتي لبيداء كواقعة حقيقية مع المظهر التدويني التخيلي .. وهنا يتجلى لنا الناتج الآتي

” المكان يساعد التركيز على حضور الشخصية ” ([11]) والحضور هنا حضور نفسي بالدرجة الأولى .

سادسا : مستوى طبقية السرد

يعدُّ السرد طبقة أساسية موجهة لمحتوى الرواية ،ثم هو بنية ثقافية ناقلة، كما أنه مصاغات للبلاغات الخطابية الأساسية للفن ،والفن هنا فن الرواية . يثبت علماء السرديات عنصرين وحيدين يقومان بالسرد، هما الراوي أو المؤلف ..                           ولكن سيتمخض عن خلط العنصرين معاً تشكلاً لعنصر ثالث يحتويهما ويغير مهمتهما لتصير النتيجة وجود عنصر ثالث يقوم بالسرد  .

ما يقوله الراوي هو المدونة المظهرية، ووسيلته هي اللغة، لغة الحكي والوصف، وإحياناً يمتثل الراوي للغة التصوير الفوتوغرافي أو الهندسي أو الرسم التشكيلي. وللراوي تنويعات وتفريعات كثيرة، وعلى الرغم من التنويعات والتفريعات فلن يحظى الراوي بمنطق مطلق في سرد الإحداث والحالات وجمل الخطاب المروي.

إما المؤلف فقد أخذ دوره يستعاد بوسيلتين، التخفي وراء إحدى الشخصيات، أو التدخل المباشر عن طريق ما يسمى بالميتاسرد. الدور الأول تقليدي والدور الثاني مستحدث ومعاصر ويعدُّ جديدا لم يستقر الاستعمال به بصورة مفرطة كأنه غير شرعي من الناحية الفنية . وعلى مستوى طبقية السرد فأن المنظور المكاني يعطي للسرد، ضمن حدود الإطار المادي ،الطبقات الآتية /

أ ـ طبقة الأفراد : وقد اختصت هذه الطبقة بالراوي العليم، والشخوص الأبطال الرواة، والمؤلف .

ـ الراوي العليم يروي ـ ضمن طبقته ـ الأحداث والأقول من خلال أفعال الشخوص، وظل مهيمناً حتى النهاية .. امتاز بتركيزه على الأفعال والأحداث التي محورها عبدل، وبيداء، وصالح، وشهرزاد، وحياة، والمبدع .

ـ الشخوص يروون عن أنفسهم وأفعالهم ووجهات نظرهم بأفعال الآخرين . ويكاد لايخلو أي فصل من مشاهد الرواية من الروي بالنيابة للشخوص .

ـ المؤلف هو الآخر تدخل، بحدود ضيقة جداً لخمس مرات تقريباً، بالروي عن طريق الميتاسرد، ليُعْلِمَ القاريءَ بأنه يعرف لعبة الميتاسرد لكنه لا يريد، لا الإفراط بها ولا التفريط بها .. اتخذ وسيلتين لتنفيذ تدخله هما التوقع الشخصي، واستثمار التمويه بآليات النقد كما ورد في عدة صفحات مثل ص109 والمروي عن آخر فصل لرواية المبدع الممزقة على ص334

ب ـ طبقة الرؤى التأريخية :

اقتنصت موارد هذه الطبقة من التأريخ الفردي للمتصوفة والأشاعرة واحدا من المفكرين الشموليين هو محيي الدين بن عربي .. وركزت مضامينها على الفكر المادي لفلسفة ابن عربي، مشدّدة على علاقة الجسد بالأسماء الالهية وصورة القدرة الالهية المجسدة بالأشكال الجميلة. لعل الفصل الأخير، بمجمله، مخصص لهذا المنحى .

ج ـ طبقة المدونات اليومية :

أُعتمد في هذه المدونات على التسجيل الأرشيفي لليوميات ،او الشبيه بها .                        ولأجل وضعها بموضع الوثيقة شبه الصادقة فقد أوجد الراوي تواريخاً باليوم والشهر والسنة لتدوين أحداث جسام .. من هذه المؤرشفات ” للمذكرات اليومية /

 

 

 

 

التأريخ المكان الحدث
1921 بغداد تنصيب الملك فيصل الأول
17تموز 1983 لندن ترشيح نيل كينوك لزعامة حزب العمال البريطاني
20شباط 1969 بغداد إعدام مجموعة من التجار والسياسيين بتهمة التجسس
17تموز 1983 لندن نجاح الرسامة والناقدة الفنية فيلدنغ بمخترعها “عملية ثقب الرأس”
20شباط 1969 بغداد استمرار عمليات الإعدام بتهمة التجسس
10تموز1983 هايدبارك ـ لندن زيارة شهرزاد لبيت إبنة خالها
20شباط 1969 لندن زيارة ماهر وزوجته بيت بيداء مع صالح وشهرزاد
20شباط 1969 لندن إتفاق ارهابيي ألستر بالإنتقام لسجن 80 منهم قبل 10أعوام
20شباط 1969 لندن تذكر صالح خطبته لسلمى وزوجة سمير ،حينما كان في بغداد
21شباط 1969 لندن بداية تعلق صالح ببيداء
17تموز 1983 لندن تخيل كتابة رواية المبدع مكتوبه بطريقة رسم الفنان العالمي سيزان
21شباط1969 لندن صالح يقوم بفعل الحب الجسدي مع سلمى
17تموز 1983 لندن استعادة حلم فعل الحب مع سلمى
10نيسان 1969 بغداد بدء التفكير بالسفر
17تموز1983 لندن إدخال سلمى ضمن شخوص رواية صالح
أبريل 1129 دمشق حرب ابن صلاح الدين الأيوبي وأخ صلاح الدين الأيوبي

 

الجدول يعطي فكرة عن ارتباط المكان بأحداث الأرشفة اليومية، لا تتعدى، هذه اليوميات، الرصد الحياتي للأرشفة التسجيلية .. نرى أهم ما فيها من جدوى هو كونها تنويعاً للطبقات السردية الجاذبة للمتعة الثقافية، فهي تجمع” السياسي ” الى التأريخي، الى الفعل الفردي ..

الطبقة السرد، غطت الصفحات، من ص62 الى ص133، ثم لتعود المدونة الى السرد ذاته في ص282 .

د ـ طبقة التأريخ الطائفي :

تخصص الفصل الأخير وما قبله بهذا النموذج من الطبقات وانحصر في قضية واحدة هي حرب الطائفة الإسلامية الواحدة بين ابن وأخ صلاح الدين الأيوبي عام1129 ..

لقد غطت فاعلية هذه الطبقة الصفحات من282الى 290 ثم لتواصل فعلها عند الصفحات من ص 347 الى ص356 ..

جدوى ذلك / (وضع معالجة حكيمة للحرب الطائفية في العراق بمثل الحل الذي اتخذه أخ صلاح الدين عام 1129ميلادية) .. ولعل هذا الحل ذاته يمكن التماهي معه  وفق منطقين ،التسامح وعدم الانتقام من الخاطئين ،والتعاون المنفعي والتقني مع القوى المتحكمة بالفردوس الحضاري حالياً .

هـ ـ طبقة الترقيق اللغوي :

لغة الروائي هي سبيكة من الحقل المفاهيمي لعلمي النفس والمجتمع، والعنصر الثاني هو الموهبة التذوقية لحدس الالفاظ الساحرة المسوغة للمعنى العاطفي الحميمي .. هي لغة تتميز بـ /

ـ الرقة والرهافة النفسية الإجتماعية مثلما نراها في المقتطف الآتي ..

[ شعرت بإنقباض، فدفعت قدميها للخروج … والإندفاع وسط  المرج الأخضر، وتحت خفقات حذائها كان بإمكانها أن تسمع تكسر بعض الأوراق الصفراء التي احتفظت بجفافها تحت تأثير صحو نادر اعترى السماء ذلك النهار ] ([12]) .. وغير ذلك كثير…

ـ الحميمية : يحس قارئ رواية كوميديا الحب الالهي انه بإزاء صديق هادي محبوب يحكي له تأريخا لأمكنة وأزمنة اخترعها الكاتب لئلا تنسى أحداث كبرى مقاربة لها من التأريخ الحديث ،وليحذر ـ بأخوية ـ من إستخدام اللغة الجارحة والساذجة والخشنة، لتتلاءم مع حالة التحضر المنشود .. تمثل هذه اللغة طبقة سرد تدعو الى السلام والتعايش بالإختلاف المنتج .

[ عند وصولها الى الفندق كان الأب معتكفا في حجرة النوم . اندفعت للدخول عليه، فارتفع صوت الأم محذرا : ” لا تفتحي الباب، سيغضب علي كثيرا ] ([13]) ،ومثلها وأكثر حميمية نجدها في مناغاة الحب في اسرة الفعل الجنسي المتكرر في الرواية.

ـ الرسائلية : اللغة بحد ذاتها ليس لها رسالة إلّا عندما تحمل إشارات موحية برسالة من نوع ” ما ” وفي الرواية هذه نجد الرسالة في المضمر من النسيج الروائي كله بدءاً من العنوان وتناصه مع جحيم دانتي، ثم نزولاً الى العناوين الفرعية، ثم دخولاً في متون الرواية وما فيها من لغزية وطرافة وكثافة حدثية، على مألوفيتها ! مثلما هي فكرة ابن عربي في…

[ إذا كان الكون مرآة الرب يرى من خلالها صفاته فإن الانسان هو مجلى هذه المرآة … هل يؤول هذا الى الغيرة الالهية من أن يُحَب سواه ؟] ([14])

ـ الفلسفية  : اللغة  تتبارى مع نفسها في تبسيط الألفاظ الفلسفية الجادة المصاحبة للمنطق الأزلي في تبريره لفكرة الوجود .. هي إذاً لغة إستنباط فلسفي فعّال مُجَدِد للقيم العقلية والحدسية ،القديمة والجديدة ..

[ لو أن الممكنات كانت تعرف كيف ستتعين الأسماء الالهية فيها عند تحولها الى عالم الشهادة ،هل ستلح عليها كي تنقلها من كائنات قائمة بالقوة الى كائنات قائمة بالفعل، من فرضيات الى تطبيقات ؟ ها أنذا أجدني محاصرا بالسؤال نفسه : هل كان علي أن اسمح لكل تلك الممكنات “عبدل”و ” بيداء ” وغيرهما بأن تعيش تحققاتها لو أنني كنت أعلم ما سيحدث مسبقاً لها؟ ] ([15]) .

ـ العلمية : في لغة الرواية جزء من الطبقة اللغوية مجسدا في التقانة الصرف للعلوم المعرفية ..

[ نجحت فيلدنغ في ثقب رأسها، بمثقب كهربائي صغير … فحالما تجاوز سن المثقب حدود الجمجمة  شعرت بإنطلاق دماغها بالنبض أيضا بعد تحرره من سجونه . إنها الآن ذات وعي أوسع من دون استخدام حبوب ” أل أس دي “، أكثر طاقة وإلهاما، وفي حالة شعورية عالية دائما ] ([16]) .

 

 

     اسماعيل ابراهيم عبد                                                  

 

[1][1] كوميديا الحب الألهي , رواية لؤي عبد الاله , دار المدى للثقافة والنشر , سوريا , 2008

[2] المكان العراقي ـ جدل الكتابة والتجربة , لؤي حمزة عباس , تحرير وتقديم , ص11 , دراسات عراقية , بغداد ـ أربيل ـ بيروت , ط1 , 2009

[3] المكان العراقي ـ جدل الكتابة والتجربة , لؤي حمزة عباس , المصدر السابق نفسه , 37

[4] رواية كوميديا الحب الإلهي , لؤي عبد الاله , مصدر سابق , ص306

[5] مدخل الى نظرية الأنساق , نيكلاس لومان , ت. يوسف فهمي حجازي , 2010, ص60 , دار الجمل , ألمانيا “كولوني”  , العراق “بغداد” .

[6] رواية كوميديا الحب الإلهي , لؤي عبد الإله , مصدر سابق , ص347

[7] رواية كوميديا الحب الإلهي , لؤي عبد الإله , مصدر سابق , ص356

[8] رواية كوميديا الحب الالهي , لؤي عبدالإله , مصدر سابق , ص283

[9] رواية كوميديا الحب الالهي , لؤي عبد الاله , مصدر سابق , ص35

[10] رواية كوميديا الحب الألهية , لؤي عبد الاله , مصدر سابق , ص154 , 156 , 157

[11] بناء الرواية , د. سيزا قاسم , ص221 , 2004 , مكتبة الإسرة , مصر .

[12] رواية كوميديا الحب الالهي , لؤي عبد الإله , مصدر سابق ص238

[13] رواية كوميديا الحب الالهي , لؤي عبد الإله , مصدر سابق , ص43

[14] رواية كوميديا الحب الالهي , لؤي عبد الاله , مصدر سابق , 352

[15] رواية كوميديا الحب الالهي , لؤي عبد الاله , مصدر سابف , ص356

[16] رواية كوميديا الحب الإلهي , لؤي عبد الاله , مصدر سابق , ص101, ص102

اقرأ ايضاً