السلفية والمستقبلية وجهان لعملة واحدة

1٬939

المستقبلية والسلفية تظهران عندما يعيش مجتمع ما حالة من الاضطراب العميق أو أزمة عميقة تدفع ببعض مثقفيه ومفكريه إلى البحث عن “قفزة” تسمح بدفعه إلى الوراء او الأمام.
على الرغم من حركتهما المتعاكسة، تلتقي السلفية والمستقبلية في أكثر من نقطة. ولعل أهم هذه النقاط علاقتهما بالزمن. فالأولى تتحرك في اتجاه الماضي سعيا لاسترجاع نموذج قديم وإسقاطه على الحاضر، والثانية تتحرك في اتجاه المستقبل سعيا لإسقاط نموذج متخيل على الحاضر، وما يجمعهما هو سعيهما الثوري لتغيير الحاضر بالقوة بدلا من القبول بمبدإ التحول التدريجي انطلاقا مما هو قائم الآن.

كذلك، فإن الحركات المستقبلية والسلفية تظهر عندما يعيش مجتمع ما حالة من الاضطراب العميق أو أزمة عميقة تدفع ببعض مثقفيه ومفكريه إلى البحث عن “قفزة” تسمح بدفعه إلى الوراء او الأمام، وغالبا ما تكون هذه القفزة مترافقة بعنف استثنائي لم يعرفه ذلك المجتمع من قبل.

للسلفية والمستقبلية تطبيقات كثيرة في تاريخنا المعاصر. وأحيانا نجد القرارات متداخلة في حركتها، فأتاتورك الذي وصل إلى الحكم عام 1923، حاول أن يتخلص من كل المفردات العربية والفارسية التي تبنتها اللغة التركية آنذاك. ولتنفيذ هذا القرار، منع استخدام هذه المفردات، لكن العودة إلى اللغة الأصلية قبل غزو القبائل التركية أراضي حضارة عريقة تمرّ بمرحلة تفكك “الحضارة الرومانية” يعني العودة إلى لغة بدائية في تراكيبها مما دفع علماء اللغة الأتراك إلى العودة إلى القواميس الصينية القديمة بحثا عن كلمات ميتة تعويضا عن الكلمات العربية والفارسية.

في المقابل فرض أتاتورك على الرجال ارتداء القبعة الأوروبية ذات الحواف العريضة بدلا من الطربوش وعلى النساء التخلي عن الحجاب التركي التقليدي وارتداء الثياب الغربية، كان أتاتورك يسعى إلى “القفز” على الحاضر وفرض نموذج “مستقبلي” باعتباره شرطا لتجاوز مخلفات الدولة العثمانية التي أطلق الغرب عليها منذ فترة طويلة لقب “الرجل المريض”.

في كلتا الحالتين، أثبت الواقع عناده ضد سلفية ومستقبلية أتاتورك. ففشل إحياء اللغة التركية بعد سنوات قليلة من الشروع في تنفيذه رافقه فشل فرض النموذج الغربي في ارتداء الملابس على الرجال والنساء، بل دفع بتصاعد حركة مضادة تمثلت في ظهور الإسلام السياسي بتركيا ابتداء من ثمانينات القرن الماضي.

لا بدّ من التذكير بفرق أساسي بين السلفية والمستقبلية: الناس يميلون إلى الأولى أكثر، لأنها تشبه الحنين إلى الطفولة لدى كل إنسان وكيف أن تلك المرحلة تصبح فردوسا نقيا من النواقص عندما يعيش المجتمع حاضرا مضطربا.

 

اقرأ ايضاً