خط الاستواء

1٬318

في الكثير من الأحيان، حياة الانسان تتكون من نصفين متناقضين، وخط الاستواء فيهما منتصف العمر: سن الأربعين.

وفيها يسعى نصفها الثاني للانتقام من نصفها الأول: إذا كان المرء في النصف الأول انطوائيا يصبح انبساطيا في نصف حياته الثانية؛ وإذا كان مؤمنا يصبح ملحداً، أو بالعكس، وإذا كان طهرانيا يصبح شهوانيا.

وعلى ضوء ذلك يتحول الأعزب إلى زوج ملتزم، والزوج الملتزم  إلى مطلَّق غير ملتزم

الفوضوي يصبح شديد الانتظام؛ والمنتظم شديد الفوضوية؛

الحذِر في خطواته يصبح متهورا؛ والعكس صحيح؛

المتكتم يصبح منفتحا والعكس صحيح؛

الجبان يصبح شجاعا، والشجاع جبانا؛

قد يعتبر البعض أن ذلك دليل على التطور أو الانحطاط، ولكن في حقيقة الأمر هو نوع من اكتمال دورة الحياة، كأن ضوء الشمس يصل إلى النصف المخفي من القمر بعد أن تغمر العتمة نصفه الأول، فيكشف لنا تضاريس وأسرارا ظلت مخفية عن أعيننا طويلا.

وأما هذا الانتقال من تحت خط الاستواء إلى أعلاه فهو نقطة التحول التي لا عودة بعدها.

وخط الاستواء هو أزمة منتصف العمر كما يسميها البعض.

في منتصف العمر بدأ دانتي رحلته الطويلة عبر الجحيم والمطهر والفردوس، لينشغل كل سنوات النصف الثاني من حياته في نقلها على الورق؛

وفي منتصف العمر بدأ ابن عربي رحلته على القدمين من اشبيلية إلى مكة، دون أن يعود ثانية إلى موطنه الأصلي؛

وفي منتصف العمر استيقظ غوتاما من تأمله الطويل، على معرفة السبب وراء آلام الحياة وكيف التحرر منها.

هل هناك سن محدَّد لخط الاستواء الشخصي: أزمة منتصف العمر؟

لا، هي متغيرة من شخص إلى آخر؛

أغلبنا يعبرها دون أن ينتبه إليها مثل عبور حدود لا حراس عليها،

غير أن أهم علاماتها هي الندم،

الندم على فعل هذا الشيء لا ذاك، الندم على عدم فعل هذا الشيء لا ذاك؛

لكن الوهم السائد هو اننا نحمّل مسؤوليات كل تلك القرارات التي اتخذها الآخر المقيم في الطابق الأول باعتباره  هو نفسه الذي يسكن الآن  في الطابق الثاني؛ فنشعر بالندم مما قمنا به أو مما لم نقم به.

كان علي أن أصحح تقسيمي هذا وأضعه في ثلاثة أجزاء مثلما فعل دانتي، دون أخذ تقسيماته بالاعتبار:

التقسيمات هي كالتالي: الجزء الأول، والثاني، والثالث.

الجزء الثاني هو النقيض للجزء الأول، وهما في صراع دائم. والجزء الثالث هو حين يتعاطف هذا الشخص مع الشخصين السابقين، ويحتضنهما معا، مخففا من عذاباتهما،

وفي هذه الجزء يصبح العالم مسرة صافية خالية من الندم؛ إنه الفردوس الأرضي:

نوع من الصحو الشبيه بصحو غوتاما الذي تحول بفضله إلى بوذا: تحقيق الكمال العقلي والأخلاقي معا.

لكن هذا الجزء هو الأقصر، وفيه يتلمس المرء لا شعوريا تلك الوحدة التي تشده إلى الوجود حوله، دون أن يجد الكلمات التي يعبر فيها عن حالته.

 

 

 

اقرأ ايضاً