اللغة وألم الفراق

1٬578

 

أظن أن الحيوان يتألم أكثر من الانسان عند فقدان شريكه أو صغيره أو صاحبه وهذا لسببين: الأول هو أنه ، على عكس الإنسان المزود بفضل عقله وذاكرته بالقدرة على استجلاء المستقبل ومعرفة أن الموت ينتظره، جاهل بما ينتظره ، والسبب الثاني هو أن الأدوات التي يمتلكها الحيوان قليلة جدا للتعبير عن الألم والتخفيف عنه، بعكس الإنسان الذي تمكّنه اللغة من التحرر من طبقات الجزع شعرا ونثرا كتبه آخرون قبله، أو يكتبه أو ينطق به هو بنفسه مع نفسه ومع الآخرين.

الذاكرة لدى الإنسان تعمل بفضل الكلمات إضافة الى غريزة البقاء.

فحين نتعرض بالخطأ الى السقوط على سلّم حاد الميل تُطالبنا الغريزة في المرة الثانية، عند صعوده أو الهبوط منه، بالحذر. كذلك هو الحال مع الطفل بعد تعرضه لألم حرق أصابعه بالنار، فهو سيتجنب تكرار تلك التجربة، وهذا ما يشترك الحيوان في رد فعله معنا أيضا.

غير أننا حين نسمع أغنية سبق أن سمعناها في مناسبة مفرحة أو محزنة فإنها تستثير فينا تلك المناسبة التي أصبحت بعيدة عنا زمنيا، وهذا ما لا تستطيع الحيوانات القيام به لغياب مفردات كافية تعيدها إلى حدث وقع  في الماضي، وهذا ما يجعلها تعيش الزمن بشكل دائرة مغلقة تتكرر بانتظام، وهي تعيد حياتها اليومية ضمن هذه الدائرة، ولذلك فهي تعيش متحررة من الشعور بالندم عما فعلته في الماضي أو من الشعور بالذنب بسبب ما فعلته تجاه كائن آخر بشرا كان أو حيوانا.
وهذان الشعوران مرافقان للذاكرة البشرية بفضل اللغة. إنهما يشكلان حافتي سكين حادتين يحملها الانسان دائما معه، جنبا إلى جنب مع الزمن المستقيم الذي يتحرك دائما إلى أمام.

غير أن اللغة تساعد الانسان عند فقدانه أحد أحبابه بتفريغ الالم عبرها وعبر ما أنتجته الثقافة من تعابير مخففة لصدمة الفقدان، بينما على العكس من ذلك يظل الالم مخزونا لدى الحيوان بسبب فقدانه للُغَةٍ فيها من المفردات ما يكفي لتخفيف الألم عنه… كم يبقى الحيوان متألما بعد فقدان صغيره أو شريكه؟ لا أظن أن هناك تجارب أُجريت عليه لاستكشاف هذا الجانب ، لكن غياب اللغة نفسها عنده قد يسهل من عملية النسيان والعودة الى دائرة الزمن المغلق الذي يكتفي بضمان تحقق غريزة البقاء.

اقرأ ايضاً