أنا وبورخيس – خورخي لويس بورخيس

2٬789

خورخي لويس بورخيس

أنا وبورخيس

 إنه بورخيس الآخر الذي تحدث له الأمور. أنا أمشي حاليا عبر شوارع بوينس آيرس ثم أتوقف – ربما ميكانيكيا الآن- لإمعان النظر في قوس مدخل ما وبابه الداخلي؛ أخبار بورخيس تصلني بواسطة البريد أو أرى اسمه على قائمة أكاديميين أو في قاموس خاص بالسير الذاتية.

يتراوح ذوقي بين ساعات رملية وخرائط ونماذج من القرن السابع عشر أو معاني كلمات معينة أو طعم القهوة ونثر روبرت لويس ستيفنسون؛ لكن بورخيس يشاركني في تفضيل  هذه الأشياء بطريقة واهية تتحول هذه الأشياء وفقها إلى عُدَّةٍ خاصة بممثل ما. قد يبدو مبالغة القول إن علاقتنا عدوانية- أنا أعيش، وأسمح لنفسي أن تعيش، وهذا ما يجعل بورخيس قادرا على غزل أدبه، وذلك الأدب هو عذري للقبول بالآخر. اعترف عن طيب خاطر أنه كتب عددا من الصفحات المتينة، لكن تلك الصفحات لن تنقذني، لعل ذلك يعود إلى أن ما هو متين فيها لا ينتمي إلى أي شخص، ولا حتى للشخص الآخر، بل بالأحرى إلى اللغة نفسها، أو للعرف السائد. وعدا ذلك فأنا نفسي محكوم علي- تماما وبدون أي شك- بالنسيان، وكل ما يبقى مني في الآخر لحظات سريعة الزوال. شيئا فشيئا أسلم له كل شيء له، على الرغم من معرفتي للطريقة المنحرفة التي يغير ويضخم بواسطتها كل شيء. كان سبينوزا مقتنعا بأن كل الأشياء ترغب في الاستمرار في البقاء على ما هي عليه- الحجر يرغب أن يبقى حجرا إلى أبد الآبدين، والنمر يبقى نمرا. أما أنا فسأبقى في جلد بورخيس لا في جلدي (هذا إذا كنت حقا شخصا ما على الإطلاق)، لكنني أتعرف على نفسي في كتبه أقل  من تعرفي عليها في الكثير من أشياء الآخرين، أو في مداعبة رتيبة على آلة جيتار. قبل سنوات حاولت أن أحرر نفسي منه، فتحركت من أساطير الأحياء الفقيرة وضواحي المدينة إلى ألعاب الزمن والأبدية، لكن تلك الألعاب تنتمي إلى بورخيس الآن، وأنا علي أن ابتكر أشياء أخرى. لذلك فإن حياتي هي قطعة موسيقية مضاف فوقها لحن آخر بطريقة «بوانت-كاونتربوانت»، من نوع موسيقى «الفيوغ» ثم الابتعاد المفاجئ لهذا اللحن- وأي شيء ينتهي يصبح في موقع المفقود بالنسبة لي، كل شيء يدخل في عالم النسيان، أو يصبح بين يدي شخص آخر.

أنا لست متأكدا من هو منا الذي يكتب هذه الصفحة.

اقرأ ايضاً