سناء الطالقاني (لعبة الاقنعة) مجموعة قصصية للروائي لؤي عبد الإله / بالغة التكثيف في الرمز واستغراق في كشف العوالم الداخلية لشخصياتها

2٬658

المجموعة القصصية الجديدة ( لعبة الاقنعة) للروائي العراقي لؤي عبد الاله، كتبت على مهل ولربما هي مخاض السارد لمحطات عديدة من حياته، ففي حوار معه حول كتابة هذه المجموعة ، أشار لي إنها حصيلة تراكم سنوات كان خلالها يجمع خيوط الامكنة والشخصيات .
وكأنها ترشيح لمعالم قام بوضع الاساس لها فيما بعد، لينطلق منها لتظهر منظومة من شخصيات وواقعاً متحركاً وأفعال لها دلالة الحبكة في صيرورة عوالم أطراف القص وتطوراته .
طابع اُسلوب لؤي القصصي في هذه المجموعة، يجمع بين الاستدراك والتماهي، فتطور الفعل الدرامي وبناءه أشبه بلقطات سينمائية ، يكثف المشهد، بأدق تفصيلاته وينتقل بشكل مفاجئ الى إيحاءات ملامح هذه الشخصية بطريقة الربط بين لقطة واُخرى بشكل متصاعد في وحدة ونسيج أخاذ.
وما يميز هذه المجموعة إن الشخصيات تتحرك وفق منظور زمني مفتوح، غير مؤطر بتتابع يوميات وإنما هو زمن دائري متحرك، تستدرك فيها الشخصية ، صوراً من الماضي وفي نفس الوقت تراقب ما يحيط بها بحذر وخشية، في تمازج ناجز، لتعبر عن علاقات متشابكة ومعايشة مع أشخاص يرتبطون بعلاقات متنافرة أو متعارضة أو مهمشة كانعكاس تدرجي في علاقات إما تسلطية أو خنوعة، وفي كل الأحوال قلقة ومتضاربة.
بعض هذه الشخصيات لا تمتلك أدوات المنافسة فتلجأ الى كبت خوفها او التماهي مع الحالة ، عبر الأقنعة . إن هذا التضارب بين العالم الداخلي والخارجي للشخصيات، يخلق نوعاً من الاحتدام وتأجيج في الفعل الدرامي لدرجة عالية من المفارقات والتناقضات يشحذ التشابك لجهة التطور الدرامي للقصة ، لينزع قشوراً وحالات عديدة لثيمة الصراع في اللاوعي والواقع المتناقض، فالذات المتماهية إما تتضاءل أو تمحي الذات الاخرى .
وهنا في محور الصراع ( الايديوباثي- الذاتي) والهتروباثي- الاخر ) يبدع الروائي لؤي في التركيز على العالم الخارجي بتناقضاته لتصبح الشخصية تحت طائل بالغ التعقيد من الاندفاعات والتشظي، في استغراقها معه ومن اجل ان تحيا، تتماهى الشخصية المحورية مع هذا التلون والإيقاع المكثف ، فأما ترتد كليا وتخسر نفسها او تعيش بطريقة ملتوية وحينما يسقط هذا القناع تتعرى الحقيقة كاملة: لنشهد ابعادا تراجيدية في شرخ الشخصية او استدارتها بشكل كامل على عوامل عيشها لجهة اخرى جديدة كليا.
ما شدني لهذه المجموعة، إن هذه الشخصيات ليست فنتازية او مجنحة بل واقعية بمعطيات واقع متحرك فهو لا يحركها عبر إسقاطات نظرية بل عبر مخاض وترشيح، والأعم ، نحن نلتقي بهم يومياً في حياتنا، وكأننا نعرفهم وندرك سلوكهم المعتاد ولكن في لحظة معينة يختلف كلياً هذا السلوك، تبعاً لمصلحة أو موقف تراجيدي مفاجئ يسقط فيه القناع ويظهر قناعاً جديداً و حسب سمك هذا القناع تموج انفعالات طارئة أو ممتدة ( تتعدد المشاهد وتختار الأضعف ، بنحو سري عجيب، ورغم اننا، أحياناً نشعر انهم مرضى( ضحايا احباط او تهميش او حب الانا المتضخمة للوصول الى موقع بأي ثمن) لكننا نتداخل معهم، مرة نتعاطف مع الانكسار ومرة نشمئز.
وهنا أحب أن أشير، إن الروائي لؤي عبر الإله، أشبه بجراح يفتح أحشاء العالم الداخلي للشخصيات، غير المرئي والذي لا نعرفه، ليؤسس الفكرة الدرامية ، عبر الحلم مرة بإلصاق شتى الاوصاف على مخلوقاته، وتلاطم هذا العالم الداخلي لإضافات استدراكية لينقلنا احيانا بشكل متصاعد لفعل درامي جديد غير مألوفا ، وكأنه يبرر في لحظة، سلوكهم النافر، ولكن في نهاية المطاف يكشف بشكل صادم تخاذلها او ضعفها او هروبها او انعطافها، فهو مهتم جدا بهذا الاختلال ليصل احيانا الى الذروة ليكشف عذابات هذه الشخصيات الحادة جدا( كأنها تعاني الموت وهم احياء) .
وبين حلم مقموع ومقطوع عن التحقيق يترك هذه الشخصيات تواجه أقدارها بعد وقوع الاقنعة،وعلى مشارف هذا التكثيف والحماسة والتوتر تستدرج الشخصية الى مواقف غريبة ومفاجئة، لا يبقى للوعي اي قيمة، تبدو شاحبة ولاهثة في العدو وسرعان ما ترتطم بكارثة حقيقية، تؤدي بها اما الى النهاية او اعادة ولادة.

 

المدى الثقافي رقم العدد 4131

تاريخ الصدور: 7 شباط 2018

اقرأ ايضاً