بلا عنوان

1٬154

الخلوة: ابداع صوفي للكلمة او بصيغة اخرى منحها معنى اصبح هو السائد… المعاني تبحث عن الكلمات والكلمات هي الاخرى تبحث عن معان جديدة تحررها من قيودها التي تربطها بكراسٍ عتيقة ( معانٍ عتيقة). هنا يمكن القول ان الكراسي سبقت الكلمات لكنها تظل في شكلها الشبحي حتى تصطاد كلمة مثلما يصطاد صياد سمكا من فصيلة محددة، بحجم محدد، وبطعم محدد.
عودة الى الخلوة: هي مشتقة من الجذر خلو، وحسب التقليد الصوفي يقضي المريد أياما يردد اسما الهيا، وكأنه بهذه الطريقة يفعل مثل من يمارس اليوجا بالتمكن من إيقاف هذه الماكنة التي تضج في الرأس بطريقة عشوائية متنقلة من فكرة إلى أخرى، من رغبة إلى أخرى من ذكرى إلى أخرى، حتى بلوغ حالة من النرفانا المصغرة المتحررة من عبء المكان والزمان والآخرين والماضي.

كأن المرء يخرج من خلوته بعد المرور بحمّام روحي خفيفا خاليا من الغبار… كأن عصرنا كسر هذه القدرة على الاختلاء، فتدريجيا وقعنا في شرك الآخر الخفي غير المحدد بشخص نعرفه عن قرب، وفي شرك الأخبار التي تتغلغل الينا بعد وقوعها بلحظة، كاسرةً فاصلة الزمكان بيني وبين مكان وقوعها …

أتذكر أني قرأت قبل سنوات قليلة عن فريق من الأكاديميين المتخصصين في علمي الاجتماع والنفس قاموا بتجربة لمعرفة آثار الانترنت على الحياة الداخلية للانسان وذلك بإقامتهم بعيدا عن عملهم في غابة فترة من الزمن وقطعوا عنهم الانترنت والموبايل وراحوا يكتبون يومياتهم كلا على حدة … على ضوء ما توصلوا اليه: كم نحن نفقد من حياتنا الداخلية ونتبرمج دون أن ندري وفق ما أبدعه الانسان نفسه.

لعل أكثر ما فقده الانسان مع وسائل التواصل الاجتماعي هو الخلوة مع الذات، ومع الفيض المتواصل من المعلومات والأخبار والآراء، يعجز العقل عن هضمها، وتعجز الذاكرة عن تجميعها وأرشفتها وحفظها.

نحن نعيش اليوم فقط، بينما الزمن يمر بإيقاع مجنون، ونحن من نافذتنا نتابع حركة المارة دون ان نتمكن من رفع أعيننا عنهم لحظة لنراهم بعقولنا فقط.

اقرأ ايضاً