عراق ضد عراق/ لؤي عبد الإله

1٬830

عراق ضد عراق/ لؤي عبد الإله

إذا كان هناك خوف على العراق فهو من العراقيين أنفسهم

ما الذي سيشعر به ركاب قطار خرج عن سكَّته خصوصا إذا كانت كل نوافذه مغطاة بستائر معتمة تعزلهم عن مشاهدة حالة انحرافهم؟ قد يشعر أحدهم بحقيقة الوضع فيذهب إلى كابينة القيادة ويتخلص من السائق ثم يحتل موقعه، لكن مجهوده من داخل القطار لن يؤدي إلا إلى مزيد من الخروج عن السكة ومزيد من الكوارث.

أفترض أن حال العراق الآن شبيه بهذا القطار، الذي وصل إلى نقطة الانقلاب على ظهره، وأن السكة هي مؤسسات الدولة الأساسية من قضاء مستقل ومجلس نواب منتخب إلى حكومة يتناوب على إدارتها ساسة منتخبون.

بالتأكيد لم تكن حال العراق حتى يوم 14 تموز 1958 واحة  للديمقراطية لكن السكة التي أنشئت في بداية ظهور الدولة العراقية الجديدة في فترة العشرينات من القرن الماضي لها صلة بجوهر الدولة الحديثة التي وضعت الفرد كأعلى قيمة لها، وهذا ما حقق  مناخا من الاستقرار سمح بظهور أوليات المجتمع المدني وقيمه. وفي هذا المناخ الذي لم يرض المثقفون به توفرت درجة من حرية الصحافة والتعبير وتوفرت إمكانية بروز الأحزاب وبروز رموز سياسية قادرة على أن تؤثر في الشارع لا من خلال عضلاتها بل من خلال الرؤية والمثل الأعلى الذي تضربه مثل زعيم الحزب الوطني الديمقراطي كامل الجادرجي.

لا بدّ أن نوايا الكثير من أولئك الضباط الذين شاركوا في انقلاب 14 تموز كانت خيّرة  فهم انطلقوا من نقاط القصور في تحقق النموذج الديمقراطي مبررين قيامهم بالتغيير عبر ضربة عسكرية  للتخلص من نواقص النظام السابق. لكنهم لم يكونوا يعلمون أنهم بفعلهم ذلك قد قاموا بفتح صندوق بندورا لتخرج منه كل الشرور التي ستظل مرافقة لخطوات القطار وهو يتدحرج بشكل حر خارج سكّته.

في مسرحية غوته “فاوست” يبيع الأخير روحه للشيطان مقابل امتلاك قدرات خارقة تساعده على تحسين حياة الناس وإذا تمكن من تحقيق بعض ما كان يحلم به على

المدى القصير فإنه على المدى البعيد خسر ذاته، وهذه هي الحال مع منظمة الضباط الأحرار في العراق حينما أتاحت لنفسها أن تخرق ولمرة واحدة (كما ظن أفرادها) قواعد اللعبة المدنية في الحكم عبر انقلاب عسكري لبناء نظام ديمقراطي متكامل وكانت النتيجة ترسيخا لتقاليد تكرر الانقلابات العسكرية بشكل دوري بعد أن قُتل الكثير من أعضائها على يد بعضهم البعض وترسيخ الطابع الانتقالي والمؤقت لكل شيء يتعلق بمؤسسات الدولة ونظمها من دستور إلى برلمان إلى محاكم إلى قوانين. ولن يمضي وقت طويل قبل قدوم صدام حسين إلى الحكم بسهولة مثيرة للدهشة ليعلن في خطاب ما يعنيه القانون بالنسبة له: إنه ليس سوى جرة قلم.

يقول ميلان كونديرا نحن نسير في الحاضر مغمضي الأعين ولعل ذلك ينطبق على حياة الفرد الخاصة مثلما هو الحال مع حياته السياسية: هل كان عبد الكريم قاسم يظن قبل 14 تموز 1958 أنه سيصادق على حكم الإعدام على رفيق له هو ناظم الطبقجلي بعد مضي عام واحد على استلامه منصب رئيس الوزراء؟ وهل كان يدور في أذهان الكثير من الضباط الأحرار أن مخططهم لتحقيق حكم ديمقراطي تمثيلي خلال أشهر قليلة لم يكن سوى مبرر كي يسقطوا الحكم الملكي ويفتحوا الطريق لاحتراب سياسي عاشه المجتمع لفترة طويلة.

لا بدّ أن الكثير من العراقيين يتوقعون أن العراق سيدخل عصرا ذهبيا حالما يتم التخلص من الحكم الاستبدادي الحالي بعد أن أدخل رئيسه المجتمع في نفق الحروب والكوارث والمجازر الدورية. فجأة  سيجد المرء نفسه مصافحا بثقة مطلقة جاره مثلما كانت الحال قبل 14 تموز 1958. هكذا ينتهي فجأة الولاء للحزب الذي صادر منذ ذلك اليوم الولاء للوطن، ليشرع الجميع بإعادة بناء برج بابل الذي كف الناس عن تشييده بعد أن بلبلت الآلهة ألسنتهم بلغات شتى جعلتهم عاجزين عن فهم بعض البعض.

لكن الصورة لن تكون بهذه العذوبة فكل من يظن أن مصائب الوطن هي فقط بسبب وصول صدام حسين إلى السلطة هو على خطأ، إذ يكفي أن نلتفت إلى الوراء: إلى آخر السنتين اللتين سبقتا وصول حزب البعث إلى السلطة في يوم 17 تموز 1968 لكي نتلمس الحقيقة المفجعة، فإذا كان صدام سببا للكثير من الكوارث التي لحقت بالمجتمع العراقي فهو في الوقت نفسه النتيجة القصوى لخروج القطار عن سكّته.

كأن مقتل  الرئيس الأسبق عبد السلام محمد عارف بظروف غامضة أول خطوة لنصب المنصة لقدوم القائد المخلِّص. وكان على قادة  الجيش الطرف الأقوى في موازين القوى آنذاك أن يتخذوا قرارا من اثنين كان أحدهما متضمنا إمكانية متواضعة بإعادة القطار إلى سكّته وآخر بمواصلة خط الابتعاد: الأول يتمثل باختيار رئيس جمهورية مدني حظي بدرجة كبيرة من الاحترام بين تلك الفئات الصامتة من المجتمع والسياسيين القدامى: عبد الرحمن البزّاز،  عميد كلية الحقوق ورئيس منظمة الأوبك السابق. والثاني يتمثل باختيار عبد الرحمن محمد عارف أخي الرئيس المتوفى الخالي من أي قدرة بما فيها الحزم العسكري. في وجهي القطعة النقدية التي طرحها القدر أمام القادة العسكريين هناك شخصان باسم واحد: عبد الرحمن وشتان ما بينهما. مع البزّاز كانت هناك خطط كثيرة لإعادة بناء مؤسسات المجتمع وحل المسألة الكردية حلا مبنيا على الحوار بعيدا عن الحرب والسعي لتحقيق سياسة مستقلة وطنية في مجال النفط. كانت مشاريعه تتطلب وقتا طويلا  لكنها في الأخير ستحقق إعادة الجيش إلى ثكناته وهذا ما بدا عنصرا مهددا للقادة العسكريين ومصالحهم قصيرة الأمد، مما دفعهم لاختيار عارف الثاني  كي يظل مشروع إعادة بناء الدولة الحديثة مؤجلا ويظلون هم محتفظين بمواقعهم مع وجود رئيس ظلٍ بكل ما تعنيه الكلمة.

يكتب حنا بطاطو في دراسته الأكاديمية الرائعة “العراق”: “في 27 نيسان خلّف اللواء عبد الرحمن عارف رئيس الأركان بالوكالة شقيقه كرئيس للجمهورية، وانتخب لهذا المنصب من قبل مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني مجتمعين”. في الاقتراع الأول حصل عبد الرحمن البزّاز على 14 صوتا بينما حصل عارف على 13 صوتا والصوت الأخير أعطاه الشخص لنفسه وهو الضابط  عبد العزيز العقيلي. لكن الفرق بين المقترعين لصالح  المرشحين الأولين أنه لم يعط أي عسكري صوته لعبد الرحمن البزّاز بينما لم يعط أي مدني صوته لعبد الرحمن عارف. ولهذا قرر الأول أن يسحب ترشيحه ليتم انتخاب عبد الرحمن عارف.

يكتب حنا بطاطو واصفا عبد الرحمن عارف بأنه  كان “أكثر بساطة وأقرب إلى القلب وأقل عدوانية من عبد السلام… وكان عبد الرحمن كذلك بلا حدس سياسي ويفتقد إلى الطاقة والدهاء والسلطة القوية لاتخاذ القرار وهي سمات تميز شقيقه… كانت بعض أوساط الضباط تسميه باستخفاف “بدل ضائع” وكان كثيرون يعتقدون أنه غير ملائم للحكم على الإطلاق ولم يكن هو نفسه قد قاتل من أجل السلطة ولم يبد في الواقع مرتاحا في منصبه كرئيس للجمهورية”.

ماذا كان موقف الشارع  العراقي المسيّس من اختيار عبد الرحمن عارفوإقصاء عبد الرحمن البزّاز ومشروعه التنويري الذي كان قاب قوسين وأدنى؟ هل أقول اللامبالاة أم الفرح؟ أميل للاحتمال الثاني. فسياسي محافظ مثل البزّاز لا يناسب دعاة الثورة سواء كانوا ماركسيين أو قوميين فكلاهما له مشروع شمولي يعتمد على فرض نموذج ثوري تحل فيه “الشرعية الثورية” محل “الشرعية البرلمانية” التي نُعتت بكل النعوت السيئة فهي ليست سوى تبرير خفي لـ “ديكتاتورية الطبقة البورجوازية” في بلد يخلو تقريبا من الطبقة العاملة الصناعية بمعناها الحرفي الدقيق.

وتم إقصاء  البزّاز عن منصب رئاسة الوزارة في آب 1966  وخلال تلك الفترة القصيرة التي لا تتجاوز الأربعة أشهر وقعت  محاولة انقلاب فاشلة أخرى قام بها وللمرة الثانية عارف عبد الرزاق أبرز دعاة الوحدة الفورية مع مصر. وكان إبعاد البزّاز على يد الضباط الكبار المتحكمين بخيوط الحكم لأنه “كان بالنسبة للضباط شديد الاستقلالية وكثير البراعة بالنسبة إليهم وإلى ذوقهم”. إضافة إلى ذلك كان البزّاز قادرا على “أن يلعب على المشاعر الشعبية بحذق ومهارة ضد ديكتاتورية التجمعات العسكرية ولا عقلانيتها، وكذلك فإن اقتراح الاثنتي عشرة نقطة الذي قدمه في حزيران 1966 والذي أوقف الحرب مع الأكراد مرة أخرى كان في رأي الشعب بشكل عام بمثابة وسام على صدره”.

حينما ننظر إلى السنتين اللتين سبقتا وصول حزب البعث ثانية إلى السلطة عبر انقلاب عسكري آخر بعد مقتل عبد السلام عارف في نيسان1966 بظروف غامضة  نفاجأ بكثرة التنظيمات والتكتلات السياسية المتحاربة فيما بينها والساعية إلى الوصول وحدها إلى السلطة عبر العنف  وبأي شكل من الأشكال: هناك على سبيل المثال الحزب الشيوعي الذي راح ينظّر فجأة لإسقاط الحكم عبر انقلاب عسكري مفاجئ، والجناح المنشق عنه كان يدعو إلى حرب المدن والريف الثورية على غرار تجربة الصين وبين هاتين الكتلتين احتراب شديد. بالنسبة للقوميين كان هناك القوميون الناصريون المصرون على الوحدة الفورية وحاول أبرز قادتهم القيام بانقلابين عسكريين لتحقيق هذا الهدف في الأول منهما كان هو نفسه رئيسا للوزراء وهناك القوميون المعتدلون والقوميون الماركسيون ناهيك بالكتل الصغيرة المرتبطة بهذا الضابط الكبير أو ذاك وفقا للانتماءات العشائرية والعائلية، ثم هناك تنظيم البعث اليساري القريب من القيادة البعثية الموجودة في سوريا يخوض صراعا مع  تنظيم صغير ما زال مخلصا لميشيل عفلق ويضم بين صفوفه بعض العسكريين القدامى الذين أقصاهم عبد السلام عارف عن الحكم لكنهم راحوا يسترجعون نفوذهم شيئا فشيئا بعد تسلّم أخيه عبد الرحمن الحريص على إرضاء الجميع  الحكم.

لم يستغرب الناس كثيرا عند وقوع انقلاب 17 تموز 1968 فغياب أي أفق لبديل ديمقراطي قد تم طمره منذ إقصاء الدكتور عبد الرحمن البزّاز عن رئاسة الوزارة وعودة أجواء الحرب في كردستان العراق. ومع وقوع هزيمة حزيران أصبح المبرر أقوى للتغيير “الثوري” خصوصا بين الطلبة والعمال. ومع تفشي الإضرابات الهادفة إلى المشاركة في الدفع بهذا الاتجاه  كانت السلطة المستندة إلى عدة ضباط ينتمون إلى عشيرة الرئيس عارف: الجُمَيلات بحاجة إلى حزب قادر على لجم الوضع عبر العنف. وكل ما احتاجه الضباط الكبار داخل حزب البعث الذي تضاءلت شعبيته إلى حد أن عدد أفراده لم يتجاوز عدة مئات آنذاك إلى كسب ثلاثة أشخاص بيدهم مصباح علاء الدين السحري: السلطة. ابراهيم الداود قائد الحرس الجمهوري وعبد الرزاق النايف مدير الاستخبارات وسعدون غيدان قائد الكتيبة المدرعة التابعة للحرس الجمهوري. وصادف أن يكون قائد كتيبة بغداد سعيد صليبي الضابط الأقوى في العراق آنذاك في سفرة إلى لندن لإجراء عملية جراحية. ولم يحتج صدام حسين المتخفي وراء قريبه أحمد حسن البكر سوى 13 يوما للتخلص من الداود والنايف بعد أن أعطيا ما يشاءان من المناصب الوزارية العليا.

مع وصول شخص مثل صدام إلى الحكم انتهت ظاهرة الانقلابات من خارج السلطة بل أصبحت الانقلابات من داخلها ضد الخارج. فعلى سبيل المثال جرت محاولة اغتيال مصطفى البرزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني  بعد مرور سنة واحدة على اتفاق آذار الذي وقعته السلطة معه  سنة 1970 في محاولة تذكّر كثيرا بأفلام جيمس بوند. وبعد توقيع ميثاق الجبهة الوطنية مع الحزب الشيوعي تم الانقلاب عليه سنة 1979 على الرغم من الدعم الكبير الذي قدمه القادة الشيوعيون لصدام والآمال التي بنيت عليه حيث اعتبره بعضهم كاسترو العرب، ولن يلقى حلفاء الأمس من الأجهزة الأمنية سوى المطاردة والقتل وإبادة العوائل التي تخبئ أيا من الكوادر الشيوعية.

وهانحن اليوم نقف مرة أخرى عند مفترق طرق تاريخ آخر يوضع العراق فيه هذه المرة تحت تهديد الانفراط أو تهديد الحرب الأهلية المبنية على أساس طائفي وإثني. كشف المؤتمر الأخير الذي عقدته بعض أطراف المعارضة العراقية في لندن في الفترة الأخيرة عما تخفيه من رؤى ضيقة مبنية على المنافع العابرة لهذه الكتلة السياسية أو تلك. فجأة أدخلت الخلفية الطائفية والإثنية مقياسا لترشيح الزعماء المستقبليين ليصبح لكل كتلة طائفية أو إثنية تمثيل سياسي على حساب الانتماء المجرد للوطن الذي ظلت الأحزاب السياسية تكرسه لأكثر من خمسين سنة من تاريخ الدولة العراقية الحديثة. فالكثير من العراقيين لم يكونوا يعرفون إن كان كامل الجادرجي أو عبد الكريم قاسم شيعيا أو سنيا. ففي العراق  كان الزعيم الأول لأكبر حزب وطني علماني شيعيا: جعفر أبو التمن، وبين صفوفه كان الناس من شتى الأديان والمذاهب والقوميات كذلك هي الحال مع الحزب الشيوعي العراقي الذي كان مؤسسه وسكرتيره الأول، يوسف سلمان مسيحيا، أما حزب البعث فكان أمينه العام الأول فؤاد الركابي شيعيا.

كم يشبه الحاضر اليوم  مناخ العراق السياسي قبل وصول حزب البعث ثانية إلى السلطة منذ 35 سنة، مع فارق واحد يتمثل بارتداء قناع الديمقراطية إرضاء للمتطلبات الأميركية مع إقحام الطائفية والإثنية على الجسم الوحيد الذي لم يصبه هذا المرض حتى وصول صدام إلى رئاسة الحكم ليستغله لا على مستوى طائفي بل على مستوى عائلي بحت وأعني به الإرث السياسي العلماني في العراق.

أمام هذا الوضع  الذي وصله القطار بعد خروجه بعيدا عن سكته وانقلابه ينطرح السؤال التالي: من سيعيد هذا الجسم الضخم مع من فيه من ركّاب إلى سكته؟ هل بإمكان مجموعات صغيرة عاشت الجزء الأكبر من حياتها خارجه أن تؤدي هذه المهمة التي تحتاج إلى قدرات مارد “المصباح السحري” في حكاية علاء الدين لتنفيذها. يعيش بعض من هؤلاء الذين اقتنعوا بأنهم “قادة” سياسيون أحلاما دونكيشوتية تجعلهم يرون العراق أحيانا سويسرا أخرى أو ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية. لكن المارد الذي سيقوم بنقل القطار إلى سكّته بحاجة إلى أن يتوثق من سيره الطبيعي لفترة طويلة. فليس مستبعدا أن يسترجع برنامج الانقلابات العسكرية نفسه مرة أخرى ليظهر لنا في أول منعطف ضابط آخر ينتمي إلى هذه العشيرة أو تلك.

لضمان بقاء القطار يسير على سكته نحن بحاجة إلى تذكير مستمر بـ “الهولوكست” العراقي الذي نفذه صدام حسين خلال 35 سنة بعد أن سمح له الجميع بالوصول إلى الحكم وتنفيذ ما كان الكثير منهم يريدون تنفيذه بدرجة أقل عبر نظام الاستبداد الذي تبرره “الضرورة التاريخية”. لذلك اقترحُ بناء متحف خاص بهذا الهولوكست يضم أسماء كل الذين قُتلوا خلال حكم حزب البعث منذ سنة 1968. لكن علينا أن نعرف هؤلاء القتلى لا كإحصائيات بل كأفراد لهم أسرهم وإنجازاتهم، وعاشوا طفولتهم بيننا   جميعا وهم لم يموتوا إلا من أجل شجرة الحرية التي لم تظهر براعمها بعد. يجب أن نعرف مع ذلك أن هؤلاء الضحايا لم يُقتلوا على يد أناس أغراب جاءوا من كوكب آخر بل كان الجلادون من أقاربهم أو زملائهم أو جيرانهم.

إن ما جرى في العراق كان ثمرة للاستبداد والرؤية الشمولية التي تحكمت في مسار حركة القطار حتى بعد خروجه عن سكته. الرؤية الشمولية التي ترى أنني أمتلك الحقيقة المطلقة وأن من يختلف معي لا يستحق إلا الاختفاء عن الوجود تماما.

 

لؤي عبد الإله

اقرأ ايضاً